العبادة غاية الخلق


بواسطة التلميذ(ة):
العبادة غاية الخلق

١ مقدمة

الحمد لله المعبود وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وجنده، وبعد: كنا قد وقفنا في مقال سابق على الحكمة التي من أجلها خُلقنا، والغاية التي لسببها وجدنا، وبينا بالدليل العقلي والنقلي أن العلة من ذلك هو تحقيق العبودية لرب البرية، ولابد لكل إنسان حتى يستقيم وجوده في هذه الدنيا ويكون عنصر صالح مثمر فعال؛ من تحقيق مراد الله عز وجل لأنه الخالق الرازق المبدئ المعيد ذو الجلال والإكرام.

٢ مفهوم العبادة:

العِبادة إنّ توحيد الله عزّ وجلّ وتقديسه من أهمّ المقاصد التي خُلِق من أجلها الإنسان؛ فقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان بقصد عبادته وتوحيده، وإقامة تعاليم دينه، قال تعالى:/ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ*إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، حيث يبيّن الله عزّ وجلّ أنّه لا يحتاج عبيده أبداً، بل هم من يحتاجونه في أحوالهم جميعها، وما جعل العبادة إلّا وسيلةً ليعلم فيها المُفسِد من المُصلِح. وتأكيداً على ما سبق، فقد ورد في الحديث:/ (عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فيما روى عن اللهِ تبارك وتعالى أنَّهُ قال:/ يا عبادي؛ إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تظَّالموا، يا عبادي كلّكم ضالٌّ إلا من هديتُه، فاستهدوني أَهْدِكم، يا عبادي كلّكم جائعٌ إلا من أطعمتُه، فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي كلّكم عارٍ إلا من كسوتُه، فاستكسوني أكْسُكُم، يا عبادي، إنّكم تُخطئون بالليلِ والنّهارِ، وأنا أغفرُ الذّنوبَ جميعاً، فاستغفروني أغفرُ لكم، يا عبادي إنّكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفَعوني، يا عبادي لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإِنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجلِ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخركم وإنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ، فسألوني فأعطيتُ كلّ إنسانٍ مسألتَه، ما نقص ذلك ممّا عندي إلا كما ينقصُ المِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ البحرَ، يا عبادي إنّما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثمّ أوفِّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمدِ اللهَ، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه). معنى العِبادة العِبادة في اللّغة العبادة مصدر عَبَدَ، وعَبَدْتُ اللهَ أَعْبُدُهُ عِبَادَةً؛ بمعنى الانقِيَادُ وَالخُضُوع، ومنها العَابِدُ، وَالْجَمْعُ عُبَّادٌ وَعَبَدَةٌ، وَالعَبْدُ خِلَافُ الحُرِّ، وَهُوَ عَبْدٌ بَيِّنُ العَبْدِيَّةِ وَالعُبُودَةِ وَالعُبُودِيَّةِ، وجمعها أَعْبُدٌ وَعَبِيدٌ وَعِبَادٌ، ويُقال:/ أَعْبَدْتُ زَيْدًا فُلَانًا؛ أي مَلَّكْتُهُ إيَّاهُ لِيَكُونَ لَهُ عَبْدًا، وَاسْتَعْبَدَهُ وَعَبَّدَهُ بِالتَّثْقِيلِ؛ أي اتَّخَذَهُ عَبْداً.   العِبادة في الاصطلاح عرّف العلماء العبادة بأنّها اسمٌ جامع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظّاهرة، وقد عرَّفها ابن تيمية بأنّها:/ طاعة الله المتمثّلة بامتثال ما أمر به وأخبر به عنه الرّسل والأنبياء؛ فالعبادة لله هي الغاية المحبوبة لله سبحانه وتعالى، وهي التي خلق الخلق وأوجدهم لأجلها؛ حيث قال:/ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، ولأجلها وبمضمونها أُرسِل الرّسل، وبها بلّغوا عن الله، فقد كان قول الأنبياء والرّسل جميعاً إلى أقوامهم يتلخّص في آيةٍ واحدةٍ؛ هي قول الله سبحانه وتعالى:/ (اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ). الفرق بين العبادَة والطَّاعَة لا تأتي العبادة بمعنى الطّاعة في كلّ حالٍ، بل إنّ بينهما فروقاً واختلافاتٍ حسب موضع استخدامهما؛ فالْعِبَادَة هي غَايَة الخضوع، وَلَا تُسْتَحقّ إِلَّا بغاية الإنعام، ولذلك فإنّه لا ينبغي أن تصدق العبادة أو أن يستحقّها غير الله سبحانه وتَعالى؛ فهو وحده المُنعِم المُتفضِّل بالإنعام، كما أنّه وحده الخالق الرّازق، وَلَا تكون العِبَادَة إِلَّا مَعَ الْمعرفَة التامّة بالمعبود والخضوع التامّ له، أمّا الطَّاعَة فهي ذلك الفِعل النّاتج عن طلب أحدٍ ممّن هو دون اللهِ في المرتبة، وحينها يُسمّى الفعل طاعةً، وتصدُق الطّاعة على الخالق كما تصدُق على المخلوق، بعكس العِبَادَة التي لا تكون إِلَّا للخالق سبحانه وتعالى، والطَّاعَة في اللُّغَة تكون بأن يتَّبِع المدعوّ الدَّاعِي إِلى فعل ما دَعَاهُ إليه حتّى إن لم يقصد في ذلك التبعيّة، فقد يكون الإنسان في بعض الأحيان مُطيعًا للشَّيْطَان، لكنّه ربّما لا يقصد إطاعته، وَلكنّه فعل ما يريد دون أن يطلب منه ذلك، فأطاعه في المضمون والنّتيجة. أنواع العبادة تُقسَم العبادة حسب طريقة فعلها وأدائها إلى عدّة أنواعٍ، هي:/ العبادات القلبيّة:/ هي العبادات التي يكون منشؤها القلب، ولا تقوم على فعلٍ ظاهر مُعايَن، مثل:/ حبّ الإله سبحانه وتعالى، أو الحبّ القائم على ما يرضي الله ووفق نهج النبوّة، مثل:/ الحبّ في الله ولله، ومن العبادات القلبيّة كذلك:/ الخوف من الله، والرّجاء بأن يغفر الله لعبده المحبّ الرّاجي لرحمته، والرّغبة في نيل ثوابه، والرّهبة من عقابه، والخشوع له، والتوكُّل عليه، والإنابة إليه، قال تعالى:/ (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ). العبادات اللسانيّة:/ هي التي تقوم على النُّطق باللسان بنيَّة التقرُّب إلى الله، والحصول على الأجر والثّواب؛ مثل:/ النُّطق بالشّهادتين، والثَّناء على الله، والدُّعاء، والذّكر، وتلاوة القُرآن، والدّعوة إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ونُصح النّاس؛ أُمرائهم وعوامِّهم، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر. العبادات البدنيّة:/ هي التي تقوم على الأفعال الجسديّة التي تحتاج حركةً، وتنقُّلاً، وأفعالاً مُعايَنةً مُشاهَدةً، مثل:/ الصّلاة، والحجّ، والجهاد في سبيل الله، والتقرّب إلى الله بالذّبائح؛ كالأضاحي، والنّذور، والعقائق، وسائر العبادات العمليّة الأخرى.
 

المراجع التي إعتمد عليها التلميذ(ة)

    ١ htt://www.mawadi3.com