الانسان المصنع


بواسطة التلميذ(ة):
  الانسان المصنع

١ مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الإنســــان المصنـــــــــوع .
.
.
.
.
!! علمتنا التجارب أن لا نرتجي الخير كثيراً في جديد التباشير والمستقبل .
.
وخاصة إذا كان ذلك الجديد هو الإنسان .
.
فالجديد قد أصبح مطابقاً لشروط ومواصفات أهل المصانع .
.
مخلوق مسلوب الإرادة ومقصوف الأجنحة .
.
يأتي مصنعاً ومرادفا ومطابقاً لمخططات المبتكر الصانع .
.
يلتزم ويتكامل كلياً مع شروط الديباجة المرفقة مع المنتج لزوم الاستخدام .
.
لا يقبل الزيادة أو النقصان في المعطيات !.
.
ويستحيل معه إجراء الإصلاحات أو التعديلات .
.
ثم ذلك التحدي إما القبول بالواقع المرير المفروض جدلاً .
.
وإما ذلك الرفض المطلق الذي يعني العداء الشديد والمناكفات !.
.
وتلك شائبة تؤكد النوايا الخبيثة في صنع الإنسان بالخارج .
.
حيث الشائبة التي تمنع كل أشكال وألوان المرونة في الأخذ والعطاء .
.
وقد يكون المنتج الجديد مقروناً بنعوت وأسماء الإغراء .
.
فيقال مثلاً أن ذاك القادم الجديد هو : ( الشن المطلوب الذي يوافق الأطباق والأذواق ! ) .
.
أو يقال مثلاً أن ذلك القادم الجديد هو : ( المنقذ المنتظر الذي يماثل في الأذهان المهدي المنتظر ! ) .
.
أو يقال مثلاً أن ذلك القادم الجديد هو : ( ذلك البطل المغوار المخلص للعالم من حالات الفاقة والفقر ! ) .
.
أو يقال مثلاً أن ذلك القادم الجديد هو : ( فارس الأحلام الذي ينتظره الجميع بفارق الصبر ! ) .
.
ولكن عند الجد والمحك تتجلى الحقيقة القاسية المريرة التي تؤكد أن الصنعة برمتها تايوانية التقليد وتجارية الفبركة !.
.
وهي صنعة تخلو كلياً من الأصالة التي تعني الأمجاد والتاريخ .
.
والتجارب قد علمتنا أيضاً بأن القادمين من أحضان الغير لم يكونوا يوماً سنداً وخيراً ودعماً للشرق وأهل الشرق .
.
فهؤلاء يمثلون ثماراً مستوردة من بساتين الشر والشرور .
.
حيث تلك الفئة من البشر التي تنتمي للشرق اسماً وتخالفه أخلاقاً وجوهراً .
.
يمثلون المعاول التي تهد وتهدم الأصالة والتاريخ والأمجاد .
.
ولا يملكون مثقال ذرة من الولاء والإخلاص الذي يتفاخر بأرض الأنبياء .
.
كما لا يملكون مثقال ذرة من النخوة والغيرة التي تذرف دموع الأسى على مهدرات العزة والكرامة .
.
وأكثر النعوت التي تصدق في هؤلاء هو نعت الإنسان الآلي ( الروبوت ) .
.
ذلك المنتج الذي لا يملك الإحساس والشعور .
.
والسمة المعهودة في هؤلاء هي عدم الغيرة والنخوة على إرث الأمجاد .
.
ومن العجيب والمحير أن الصانع المبتكر لذلك الإنسان الآلي يضمر الهلاك للمنتج نفسه ذاتياً .
.
حيث ذلك المنتج الذي يحتوي عدة التفجير في طيه .
.
ولا بد من تلك النهاية المهلكة في يوم من الأيام .
.
وهو قد يعلم وقد لا يعلم أن كفنه ضمن أغراض التصنيع !.
.
والهدف الأساسي من تأهيله للمهمة هو تنفيذ مخطط ضروري وخبيث .
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
الناس في الآونة الأخيرة بدءوا يتساءلون عن جديد الفكرة .
.
حيث أن صناعة المواد بالقدر الذي يتفق مع الأمزجة وضروريات الحياة كانت مألوفة ومقبولة وسائدة منذ أقدم العصور .
.
أما صناعة الإنسان بالقدر الذي يوجد هيكلاً فارغا من المحتويات فذلك يدخل ضمن عجائب الدنيا في العصر الحديث .
.
فكيف يقبل العقل فرية الإنسان المبتكر ؟.
.
غسل للأدمغة والأذهان بالقدر الذي يمحي التاريخ ويمحي الأمجاد ويمحي العزة والكرامة !.
.
ثم نسخ للأدمغة والأذهان بالقدر الذي يواكب مناسك الشيطان !!.
تبديل وتعديل في أساسيات المثل والأخلاقيات والمفاهيم .
.
وإنكار لكل المواقف النبيلة البطولية الموروثة عن الأجداد والماضي .
.
ثم تلك الخطوات الخسيسة والدنيئة التي تجتهد في محو حقائق التاريخ والأمجاد والسيرة العطرة .
.
لتكون البديل هو سيرة وأمجاد الميكي ماوس والرجل العنكبوت والمقنع الذي لا يقهر !!.
لقد هانت هاماتنا حين هانت مواقف الإنسان الشرقي المصنوع في مصانع الغرب .
.
فهل لنا أن نقف وقفة قصيرة لنراجع أنفسنا ونسأل الذات هل أحوالنا الحالية تشرفنا وتشرف ماضينا العريق ؟؟.

٢ الإنسان والتيه المصنوع:

الإنسان كائن راق متميز بطبعه وخِلقته، له دوافعه النبيلة واحتياجاته الأصيلة التي تغذي طبعه وتؤهله للقيام بدوره، لم يرق هذا لبعضهم فأفقدوه تدريجياً خصائصه وميزاته بمواد مصنعة، تغريه شكلاً وظاهراً ولكنها خاوية حقيقة ومخبراً، فهو يحتاج ويأخذ قدر ما يحتاج وربما أكثر./ ./ فإذا احتاج غذاءه تناول ما لا يسمن ولا يغني من جوع بدل ما يفترض أنه غذاءه الأصلي الذي يفيده ويقويه./ ./ فقلبه محتاج للإيمان وللحب والتعلق، وغذاؤه الإيمان بالله وحب الله والتعلق به، وحب الخير للناس، فزينوا له الإيمان بمتاع الدنيا، وحب الدنيا والتعلق بمظاهرها الخلابة الخاوية، والسعي خلفها بكل طاقاته واهتماماته، فلم يجن إلا ما كتب له، وعاش يقاسي آلام حطام الدنيا ونكباتها بقلب مرهق عليل، أفسده تواتر خيباتها وضعف مَغناها./ ./ وعقله يطلب العلم ويحتاج المعرفة، فجعل الله العلم النافع مطلباً ثميناً للإنسان خيراً وأجراً، والعلم النافع في شتى المجالات والنظر والتفكر هو خير ما يشغل العقل وينميه لصالح الإنسان نفسه ثم لصالح الجميع، فأتخموا عقله بأخبار الفن وأهله والرياضة وأهلها والسياسية ودهاليزها والشائعات وخبثها، فلم يبق في عقله موضع شبر إلا وفيه طعنة برمح أو ضربة بسيف! وروحه ونفسه تطلب الجمال ورقي الذوق، وفي التأمل في مخلوقات الله المتنوعة مغنى وأي مغنى./ ./ وفي تذوق الآداب والأشعار والمعاني الإنسانية النبيلة وصياغتها فن وأي فن./ ./ وفي الأعمال الهادفة لما يحبه الله ويرضاه متاع للإنسان ومنافع عظيمة./ ./ ولكنهم استبدلوا الجمال بكل أسف لمطالب الغرائز الحيوانية بلا ضوابط أو حدود، وزينوا ذلك بكل سبيل، وعمدوا إلى حياة المظاهر الخادعة والنفس الخاوية إلا من شهواتها، وإلى حياة الضياع والهوان فجعلوا منها فنهم الجميل والحياة المنشودة، ووجدوا في الألفاظ السوقية والمعاني العفنة سوقاً رائجة لأغانيهم وأسمارهم فبئس ما استبدلوا , ويا لفداحة ما ضيعوا وخسروا وهم لا يعلمون./ ./ والنفس تطلب اللهو والمتعة وفي الرياضات النافعة، والنشاطات المسلية، والاجتماعات الترفيهية متع وفوائد عديدة، وكذلك في الأعمال الخيرية ومساعدة الغير متعة لا يعرفها كثيرون، لا نجد شيئاً منها في الألعاب الالكترونية وبرامجها وأجهزتها، وفي الاهتمامات الرياضية ومتابعة أخبارها! وفي الشباب دوافع للمغامرة جعلوها للمغامرات الغرامية الطائشة والرياضات الخطيرة والألعاب العابثة، بدل المغامرة في العمل والبناء والكفاح في الحياة، أو المغامرة من أجل مبادئ وقيم، والمغامرة لبناء المجتمع ورقيه./ ./ وفي الإنسان حب للتعصب القوي لأشخاص أو أفكار أو جماعات، فاستغلوها لتعصب كروي عديم الجدوى، وتعصب للفن وأهل الفن، والرياضة وأهلها وما إلى ذلك من اهتمامات سخيفة باردة لولا دماء أهليها الساخنة جداً! وما ذكرته مثال من أمثلة واسعة متشعبة، وحالة من حالات كثيرة متداخلة، لألقي الضوء على ما أرمي إليه من ضياع الإنسان وتضييعه عن سبق إصرار وترصد! لقد هدموا أغنى ما في الإنسان وأقنى، وأفسدوا أمتع ما في الحياة وأسمى، أفنوا كل عمل راقٍ بالموت البطيء، ولو استطاعوا أن يقتلوه في غمضة عين لبادروا./ ./ أي إنسان يا هؤلاء تريدون؟! إن الانضمام لهذا الفريق أو ذاك في أي جانب قرار مصيري له ما بعده، إن أي معانٍ هادفة خيّرة تطلب مثيلاتها، وأي ضياع وهبوط يطلب مثيله، والغلبة للأقوى، فإذا غلب فريق استحل النفس بكل محتوياته وثقافاته وخاصم كل دخيل من الفريق الآخر./ ./ دوامة الاستخفاف ومحاولة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير مستمرة دائبة، لا يهمها أن تنجح عند بعض الناس ولو قطرة فقطرة، حتى تؤثى ثمارها المُرّة ولو بعد حين./ ./ وضعف تقديم الرؤى العميقة وعرض البديل الناجع المنضبط الذي يلبي تطلعات النفس وطموحها ومتعتها أوهم الكثير بعدم وجود البديل واستحالة إمكانيته، وجعلهم يسعون إلى ما يجدون ويعرفون، ويحسبون أن ذلك هو الفطرة السوية والمنهج القويم، وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان، ولا غاية لهم أفضل من ذلك، فبذلوا لذلك إمكانياتهم وجهودهم، ونشَّؤوا عليه أسرهم وأولادهم./ ./

٣ العقل المصنوع والنفس الإنسانية:

وصولا للنفس الكلية التي هي من الله وإليه تعود, بهذه الكيفية تنشأ حالة الجدل وتتأسس أسسه لتنقل الإنسان من مرحلة الوعي الفطري الذاتي العمومي إلى الوعي العقلي الذي يريده الخالق دليلا إليه وطريقا لفهم محورية الإنسان في النظام القيمي الشمولي./ لا ينكر عاقل أن الصراع الأساسي في الإنسان هو بين عقله بالوصف الثاني وبين النفس وقواها وما ترتقي أو تتسافل بها تلك النفس, وما تتطلبه من حاجات ونزوع نحو الدعة والسكون والبساطة كون الإنسان بذاته ضعيف بالتكوين والتسليم لهذا الضعف وعدم تجاوزه هو من ضمن قيود العبودية التي تحبط انطلاقته وثورته على واقعه وعلى صورة التكييف الأولى, والله تعالى لم يدع الإنسان لضعفه وسكونه بل أمره أن يكون بالضد من خلال تفعيل قوة العقل المبدع(فَاعْقِلْ عَقْلَكَ، وَامْلِكْ أَمْرَكَ، وَخُذْ نَصِيبَكَ وَحَظَّكَ) ,إن امتلاك الإنسان لأمره يعني في فكر نهج البلاغة أول مصادر القوة العقلية التي تخرجه من ضعفه, وتخرج مكنونات القوة الإنسانية./ للنفس الإنسانية أربع حالات تتطور وتتداول في عملها ولا تنفك في صراع بيني بفاعلية كل نفس وقواها, فالنفس النباتية النامية في صراع دائمي لأجل تأمين البقاء الشيئي للموجود الكوني سواء أكان نبات أو حيوان بما نسميه الحاجات الأساسية للنمو وضمان استمرارية الحياة للكائن الحي, والنفس الحيوانية تتصارع لتأمين حاجاتها الحسية الحيوانية لأنها هي المسئولة عن التعامل بين الكائن الحيواني ومنه الإنسان مع الغرائز والمثيرات الخارجية وهي الأداة التي بها الكائن الوجودي الشيئي بحيوانيته عن سائر الأحياء./ هذه النفس هي محل الصراع وأداته من خلال سعيها الدائم لتأمين متطلبات تفعيل قواها التي لها قوانينها وإدراكاتها الذاتية التي تميل دوما نحو الغرائز الفطرية الشهوية, إنها القوة الرئيسية المنافسة للقوة العقلية والتي تشكل الضد لها حين ترك قواها تتفاعل خارج نطاق الإنسانية المثلى التي يمثل العقل فيها القوة الكابحة والمنظمة لكل ما هو متلائم مع الطبيعة الإنسانية التي تعلو في كل قيمها ومقاساتها عن الحيوان./ ببساطة القول أن للعقل ميل نحو الفطرية الإنسانية التي تمثل الحد الابتدائي للاستواء والتوازن بين القوى الفاعلة ذاتيا والتي تحرك وتصنع سلوكياته نحو الداخل والخارج, هذا القانون الأساسي يتمثل في قول للإمام علي عليه السلام في بيان حالة ضبط القوى النفسية في مقابل عدم خسران الإنسان لآدميته الطبيعية التي شعارها العلم والعمل فيقول((مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ، وَمَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ، وَمَنْ خَافَ أَمِنَ، وَمَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَرَ، مَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ، وَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ)) ./ إن مهمة ضبط النفس وقواها من أن تميل به إلى مهاوي البهيمية ليست مهمة العقل فقط ولكنها نتيجة للصراع الذاتي بين ما هو منضبط وبين ما هو متروك لانفعالات وغلبة القوى المتصارعة, ووظيفة العقل الطبيعية هي تأطير للعوامل والمقدمات التي تساعد في تقويم وتعديل السلوكيات الحسية النفسية وأن يجعل من نظامه العملي الرقيب والحاكم عليها, وهذه الوظيفة ليست ابتدائية فيه وإن كانت طبيعية ولكن هناك الفيما حوليات المؤثرة على جعل العقل حاكما وضابطا للسلوك النفسي الحسي الحيواني من خلال التربية والتعليم والتهذيب والاعتبار بها وفهم هذا الاعتبار./ العقل الفطري ميال نحو الدعة والسكونية وإلى كل ما هو متوافق مع قانون التكوين بينما النفس الفطرية التكوينية تمثل القوة الجامحة المتحركة الثائرة التي تبحث عن متطلباتها ونزوات تلك المتطلبات دون أن تمنعها قيود, والتي تمثل الخروج الحقيقي عن إطار القانون الكينوني في طبيعتها ولكن لها في نفس الوقت استعداد فطري أيضا أن تتحول هذه الحرية الجامحة نحو الخير وأن تنفعل وتتفاعل مع قوانين العقل ,وإلا لما شهدنا ذلك التوافق بين العقل وقواه والنفس وقواها عند الكثير من الناس الذين يمثلون شكل ما من أشكال ودرجات الإنسان الآدمي./ لو تأمل كل واحد منا في دوافعه الفطرية، وميول قواه النفسية، سوف يلاحظ أن أنانيته والتخندق وراء شخصيته المميزة بالماهية الخاصة هي الدافع في الرغبة في الكمال المطلق إن أمكن أو النسبي بالمقارنة مع الأغيار، ولكن لا نجد إنسانا يرغب في النقص في وجوده بصورة ما أو بشكل كلي وإلا بالقول بعكس ذلك يخرجه من إنسانيته نحو الحيوانية المطلقة التي لا تدرك ولا تفهم معنى الكمالات، ونراه يسعى جاهدا وبحسب ما أمكنه من الإستفادة من التسخير الفوقي والحولي لإزالة كل النقائص والعيوب عن نفسه، ليبلغ كماله بما كونه بالكيف الذاتي وحسب ما تفرضه قوانين القوة لديه، بل يحاول إن بقى على حاله الأول إخفاءه عن الآخرين./ وإذا وقع هذا الدافع في مساره الفطري السليم تحت حاكمية العقل ووفق منظومة حسية أخلاقية ترتبط بالمكنون الأول وتستمد صورته منه أي من خالق الكينونة فإنه سيؤدي إلى رقيه وتكامله الروحي و المادي، ولكن إن وقع في مسار منحرف نتيجة لبعض العوامل والظروف ومنها تغلب القوى الحسية الحيوانية الخمسة على المنظومة العقلية والأخلاقية التي تكلمنا عنها، فإنه سيؤدي إلى الكثير من الصفات السيئة أمثال الاستعلاء والتكبر والرياء والتهالك على السمعة والظهور وكلها تمثل الجانب السيئ من الأنانية وتقديس الذات والإنزواء تحت ميل الشهوانية والنرجسية./ لذلك يرى بعض المهتمين بالدراسات النفسية إن مسألة الكمال الإنساني ليست من المسائل الافتراضية بل أن النواقص النفسية والاختلالات موجودة بشكل طبيعي عند الإنسان ولا تخلو نفس منها ولكن التفسير الذي يشير إليها يعطي انطباعا خاطئا ولا علمي عنها (وعندما تُطرَح قضية العقد النفسية بأنواعها، نجد أن مفهوم هذه العقد يحتمل تفسيراً مختلفاً فالشعور بالنقص لا يشير، في نظر الحكمة وعلم نفس الأعماق، إلى خطر انقسام النفس أو خطر الإخلال بتوازن الطاقة الحيوية فعلى غير ذلك تُقِرُّ الحكمة بأن الإنسان كلَّ إنسان، مهما تكن منزلته ثروته أو فقره ،حسن طلعته أو غير ذلك لا يخلو من شعور بالنقص كلُّ إنسان، على اختلاف جنسه ولونه واختلاف قيمه ومفاهيمه يشعر بالنقص ومع ذلك لا يُرَدُّ الشعور بالنقص إلى اختلال الشخصية، إنما يُعَدُّ دافعاً إلى الكمال هو دافع من الدوافع المبدعة الخلاقة هو، في نظر علم النفس التأليفي، مختلف عما هو في نظر التحليل النفسي الفرويدي) ./ ومما يؤكد هذا المنحى في فهم الدوافع المبدعة السيد محمد باقر الصدر في مبحثه في الكمالات الإنسانية وعلاقة هذه الكمالات بقوة العقل فيقول((أما الإنسان، فبالإضافة إلى ما يملكه من الخصائص النباتية والحيوانية فإنه يختص بميزتين روحيتين فهو من جهة لا تتحدد رغباته الفطرية بحدود الحاجات الطبيعية، ومن جهة أخرى يملك قوة العقل، حيث يمكنه من خلالها أن يوسع في معلوماته إلى مالا نهاية ،ولأجل هذه الميزات تتجاوز إرادته حدود الطبيعة الضيقة، وتتجه باتجاه اللانهاية))الفيلسوف الصدر إنما يؤكد حقيقة ليست من نوع البديهيات المتسالم بها بل يؤكد حقيقة علمية ثابتة تكشف حقيقة الإنسان الآدمية وليست حقيقته الوجودية الحيوانية./ ويستطرد السيد الصدر ليبين أن((الفضائل الأخلاقية والكمالات الروحية والأبدية والقرب والرضوان الإلهي، يعرض عن الرغبات الحيوانية المنحطة الوضيعة، وكل عمل يمارسه الإنسان وفق اختيار ووعي أكثر، هو أكثر تأثيرا في تكامله الروحي والمعنوي، أو هبوطه وانحطاطه وأكثر استحقاقا للثواب والعقاب ومن الواضح أن القدرة على مواجهة الرغبات النفسية، ليست بدرجة واحدة في جميع الأفراد وبالنسبة لكل شئ ولكن كل إنسان يملك هذه الموهبة الإلهية الإرادة الحرة، قليلا أم كثيرا، ويمكن له بالتدريب والتمرين تقويتها وتنميتها أكثر فأكثر)) ./ هنا يتبين لنا أن العقل المصنوع هو صاحب قضية الصراع مع النفس وقواها وليس العقل الفطري فهو كما قلنا يتألف مع كل ما هو فطري والنفس الإنسانية الحسية ما لم تشتد قواها وتستفحل هي فطرية بالتأكيد, ولكن العقل الثاني المستولد من رحم التجربة الحسية والتعليم والوحي وكل المؤثرات الخارجية وتفاعلاتها مع العقل الفطري هو الذي يخوض الصراع مع قوى النفس الحسية وتكون قيمة الصراع بالشدة والتفاوت تتبع المسافة الفاصلة بين قيم العقل المصنوع وقيم النفس ذاتها./ الشخصية المتكاملة هي الإنسان الذي يتكامل فيه العقل والنفس دون وجود تناقض بل صراع بينهما على أساس الخيار بين القدرة على المطاوعة والقيادة وإن أي اختلال في سيطرة قوى النفس الحسية فقط يؤدي إلى زعزعة النظام العملي للعقل إذن فالعقل قاصر عن بلوغ النتائج الفكرية المتسقة إلا في نفس هادئة تنزع إلى قواها القدسية الثالثة في أطار طاقة حيوية متوازنة وبالفعل، نخطئ إذ نضفي صفة الجنون أو الهوس على العقل، ذلك أنه لا يوجد عقل مجنون أو مهووس بل ثمة نفس حسية مضطربة لوامة خاطئة في تقصيرها عن بلوغ الكمالات التي تكتنزها ذاتيا في قوى النفس الناطقة, فينتج عنها اضطراب وانفعال شديد أو عن فقد توازن يبعدها حيويا عن العقل وأحكامه./

المراجع التي إعتمد عليها التلميذ(ة)

    ١ موضوع