معلومات عن قصة يونس عليه السلام


بواسطة التلميذ(ة):
معلومات عن قصة يونس عليه السلام

١ مقدمة

فهذه قصة نبي الله يونس عليه السلام، وما حدث له مع قومه نسوقها لما ذكره الله في كتابه ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ فنسوقها لتثبيت الفؤاد، ولما ذكره الله في كتابه الكريم حيث قال: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ فنسوقها للاتعاظ والاعتبار، سائلين الله أن ينفعنا بها وبما فيها من فوائد وعبر، وإخواننا المسلمين.
ثم إنَّ هذه القصة المباركة ضمن قصص الأنبياء التي نخرجها لإخواننا تباعًا مُظهرين ما فيها من عبرٍ وعظات وآداب وأحكام ومعاملات ومعتقدات، فالله أسأل أن يحشرنا مع هذا الرهط الكريم من الأنبياء عليهم أفضل صلاة وأتم تسليم فهم أئمتنا، وهم قدوتنا وهم سادتنا، وهم هُداتنا بإذن الله، وفقنا الله والمسلمين لاتباعهم ويسر علينا اقتفاء آثارهم وجمعنا بهم في الفردوس.
فإلى هذه القصة وشيءٍ من فقهها وفوائدها، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

٢ بعض الوارد من الآيات في ذكر نبي الله يونس عليه السلام:

قال الله تبارك وتعالى:/ ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [الصافات:/ 139 - 

وقال تعالى:/ ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء:/ 87 - 88

وقال سبحانه:/ ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القلم:/ 48 - 50].

وقال سبحانه:/ ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾[النساء:/ 

وقال سبحانه:/ ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس:/ 

٣ فالإيمان ينفع في دفع العذاب غاية النفع:

قال تعالى:/ ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ﴾ [النساء:/ 147].

والمصائب والعقوبات قد تكون في طريقها إلى أقوام فيستغفروا ربهم فيَصرف عنهم السوء والمكروه، وتُدفع عنهم البلايا والنِقم والمصائب والعقوبات.

قال تعالى:/ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال:/ 33].

* ولنرجع إلى نبي الله يونس عليه السلام، وما صنع!!

لقد اتجه عليه السلام إلى سفينة واستوقفها وركبها؛ كي يسافر بعيدًا عن قومه الذين عاندوه وخالفوه وكانت السفينة مليئة ومشحونة بالبضائع والركَّاب والأمتعة كما قال تعالى:/ ﴿إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [الصافات:/ 140] فلعبت الأمواج بالسفينة وخشي أهلها الغرق، فبدؤوا يتخففون من الأحمال التي معهم بإلقائها في اليمِّ متاعًا تلو متاع، وبضاعة تلو بضاعة.

ولكن كل هذا لم يُجدِ ولم ينفع، فبدؤوا في أمرٍ آخر، وهو التفكير في التخفف من الأشخاص حتى تسلم لهم سفينتهم ويسلم جلُّ الركاب وإن غرق بعضهم، فبدؤوا بالفعل في التفكير الجاد في إلقاء بعضهم في اليم لتخفيف الأحمال والأثقال، ولكن من يُلقى أولاً، فاتفقوا على أن يستهموا فيما بينهم لمعرفة من يُلقى، فوقع السهم على يونس - صلى الله عليه وسلم -، كما قال تعالى:/ ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾[الصافات:/ 141] فأُلقي يونس - صلى الله عليه وسلم - في اليم، ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولكن الله سبحانه وتعالى - وهو على كل شيء قدير - سخَّر ليونس عليه السلام حوتًا عظيمًا جاء يشق البحر، فابتلع يونس - صلى الله عليه وسلم -، ولم تتناوله أسنانُه بأذى لأمرٍ يريده الله ولأمرٍ قد قدَّره الله.

اتجه الحوت ويونس - صلى الله عليه وسلم - في بطنه إلى قاع البحار، فهناك تراكمت على يونس ظلمات:/ ظلمة بطن الحوت، وظلمة قاع البحر، وظلمات الليل البهيم، فضلاً عما هو فيه من كرب وهمٍّ ونكدٍ وغمٍّ لكونه ذهب مغاضبًا وخرج بغير إذن من الله له بالخروج ولكنه حاول الحركة فبدأ يتحرك، فكان أول من كان من أمره أن قال مناديًا في الظلمات:/ ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾[الأنبياء:/ 87] تلك الدعوة التي ما دعى بها مكروب إلا وفرَّج الله همَّه، وكشف الله كربه، فأكثر عليه الصلاة والسلام من التسبيح، كما قال تعالى:/ ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات:/ 143 - 144]، فسبَّح وسبح وتاب واستغفر، وكان أيضًا قبل هذا البلاء يسبح ويستغفر ويكثر من الصلاة.

وهكذا المؤمنون لا يقنطون من رحمة الله، ولا ييأسون من روحه فقد علموا عن الله عز وجل أنه غافر الذنب وقابل التوب، وعلموا عن رحمة الله عزَّ وجل أنَّها وسعت كل شيء، وعلموا أنه سبحانه كان للأوَّابين غفورًا، فاستغفر يونس واستغفر، وهلَّل ووحَّد وأخلص في الدعاء والله يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، سبح يونس واعترف بالذنب، ونادى ربَّه موحدًا:/ ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء:/ 87] فعل ذلك في مكان لم يصل إليه بَشَرٌ حيٌّ بحالٍ من الأحوال، فحينئذ تداركته نعمة من ربه ولاقته رحمة ربه، فلكثرة تسبيحه وتهليله واستغفاره أنجاه الله تبارك وتعالى، كما قال سبحانه:/ ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات:/ 143 - 144].

أنجاه الله سبحانه بأن اتجه الحوت إلى جانب البر فقذف يونس عليه السلام ونبذه - أي طرحه - بالعراء ﴿وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ [الصافات:/ 145]، أي:/ وهو مريض، ومن فضل الله على هذا النبي الكريم أنه لم ينبذ بالعراء وهو مذموم، ولكنه نُبذ وهو سقيم، كما قال تعالى:/ ﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ [القلم:/49]، والسقيم غير المذموم.

فالأمراض كفَّارات تذهب بالخطايا وتذهب بالأوزار فتداركت نعمة ربنا يونس عليه السلام.

أنه المراد بالنعمة:/

فمن أهل العلم من قال:/ إن المراد بالنعمة هنا:/ النبوة، فالمعنى:/ لولا أن الله قد جعله نبيًّا.

ومنهم من قال:/ هو فضل الله عليه ونعمته عليه بعبادته السابقة، أي:/ فلولا عبادته السابقة التي تفضل الله بها عليه.

ومنهم من قال:/ هو نداؤه في بطن الحوت:/ ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء:/ 87].

ووجه آخر:/ وهو أن المعنى:/ لولا أن رحمه ربه.

* ثم إنَّا نرجع فنقول:/ إن الله سبحانه وتعالى حفظ نبيه يونس عليه السلام وأنبت عليه شجرة من يقطين (شجرة من القرع) فأظلته وسترته واستدفأ بها، كما قال تعالى:/ ﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾ [الصافات:/ 146] ثم أنعم الله عليه بإرساله ثانيةً، ومنَّ عليه بالدعوة إلى الله عزَّ وجل، كما قال تعالى:/ ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [الصافات:/ 147 - 148] فصلوات الله وسلامه على هذا النبي الكريم وعلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل صلاة وأزكى تسليم.

* وهذا سياق الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى للقصة:/ نورده مع التنبيه على أنه لم يصح في الباب خبرٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

إن ما ساقه الحافظ ابن كثير رحمه الله، كثير منه مأخوذ من سياق الآيات الكريمة وظواهرها، وبعضه مأثور عن بعض السلف الصالح، وثمَّ آثارٌ منها قد صحت أسانيدها، وثمَّ آثارٌلم نقف لها على إسناد صحيح، ولا يبعد أن يكون بعضها قد أُخذ من الإسرائيليات.

* قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:/

﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ يعني:/ ذا النون، وهو يونس بن متَّى عليه السلام حين ذهب مغاضبًا على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعليِّ القدير، الذي لا يُرد ما أنفذه من التقدير، فحينئذٍ نادى في الظلمات:/ ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، قال الله تعالى:/ ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾، وقال تعالى:/ ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، وقال ها هنا:/ ﴿إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ قال ابن عباس، ومجاهد، والسدِّي:/ مغموم.

وقال عطاء الخراساني، وأبو مالك:/ مكروب. وقد قدمنا في الحديث أنه لما قال:/ ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾:/ خرجت الكلمة تحف حول العرش، فقالت الملائكة:/ يا رب، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة! فقال الله تعالى:/ أما تعرفون هذا؟! قالوا:/ لا! قال:/ هذا يونس. قالوا:/ يا رب، عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح، ودعوة مجابة؟ قال:/ نعم. قالوا:/ أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ فأمر الله الحوت فألقاه بالعراء، ولهذا قال تعالى:/ ﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.

وقال أيضًا ( ):/

قال أهل التفسير:/ بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل نينوى، من أرض الموصل فدعاهم إلى الله عز وجل، فكذبوه وتمردوا على كفرهم وعنادهم، فلما طال ذلك عليه من أمرهم خرج من بين أظهرهم ووعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث.

قال ابن مسعود، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وغير واحد من السلف والخلف:/ فلما خرج من بين ظهرانيهم، وتحققوا نزول العذاب بهم قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة، وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم فلبسوا المسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله عز وجل وصرخوا وتضرعوا إليه وتمسكنوا لديه، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات، وجأرت الأنعام والدواب والمواشي، فرغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحملانها، وكانت ساعة عظيمة هائلة، فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب الذي كان قد اتصل بهم بسببه ودار على رؤوسهم كقطع الليل المظلم، ولهذا قال تعالى:/ ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا﴾ [يونس:/ 98] أي:/ هلَّا. وجدت فيما سلف من القرون قرية آمنت بكاملها، فدلَّ على أنَّه لم يقع ذلك، بل كما قال تعالى:/ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [سبأ:/ 34].

وقوله:/ ﴿إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس:/ 98] أي:/ آمنوا بكمالهم.

وقال أيضًا:/

واختلفوا:/ هل كان إرساله إليهم قبل الحوت أو بعده؟ أو هما أُمتان؟

على ثلاثة أقوال هي مبسوطة في «التفسير».

والمقصود:/ أنه عليه السلام لما ذهب مغاضبًا بسبب قومه ركب سفينة في البحر فلجَّت بهم، واضطربت وماجت بهم وثقلت بما فيها، وكادوا يغرقون، على ما ذكره المفسرون، قالوا:/ فاشتوروا فيما بينهم على أن يقترعوا، فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتخففوا منه، فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس، فلم يسمحوا به، فأعادوها ثانية، فوقعت عليه أيضًا، فشمر ليخلع ثيابه، ويلقي بنفسه، فأبوا عليه ذلك، ثمَّ أعادوا القرعة ثالثة، فوقعت عليه أيضًا لما يريده الله به من الأمر العظيم.

قال الله تعالى:/ ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ [الصافات:/ 139 - 142]. وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقي في البحر وبعث الله عز وجل حوتًا عظيمًا من البحر الأخضر، فالتقمه، وأمره الله تعالى أن لا يأكل له لحمًا ولا يهشم له عظمًا، فليس لك بزرق، فأخذه فطاف به البحار كلها، وقيل:/ إنه ابتلع ذلك الحوت حوت آخر أكبر منه. قالوا:/ ولما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات فحرك جوارحه، فتحركت فإذا هو حيٌّ فخرَّ لله ساجدًا، وقال:/ يا رب اتخذتُ لك مسجدًا في موضع لم يعبدك أحد في مثله.

وقد اختلفوا في مقدار لبثه في بطنه، فقال مجالد عن الشعبي:/ التقمه ضحًى ولفِظَهُ عشيةً، وقال قتادة:/ فمكث فيه ثلاثًا. وقال جعفر الصادق:/ سبعة أيام.

ويشهد له شعر أمية بن أبي الصلت:/

وأنت بفضلٍ منك نجيت يونسًا

 

وقد بات في أضعاف حوتٍ لياليا

وقال سعيد بن أبي الحسن وأبو مالك:/ مكث في جوفه أربعين يومًا، والله أعلم كم مقدار ما لبث فيه.

والمقصود:/ أنه لما جعل الحوت يطوف به في قرار البحار اللجية ويقتحم به لجج الموج الأجاجي، فسمع تسبيح الحيتان للرحمن، وحتى سمع تسبيح الحصى لفالق الحب والنَّوى ورب السموات السبع والأرضين السبع وما بينها وما تحت الثرى. فعند ذلك وهنالك قال ما قال بلسان الحال والمقال كما أخبر عنه ذو العزة والجلال الذي يعلم السر والنَّجوى، ويكشف الضرَّ والبلوى سامع الأصوات وإن ضعفت، وعالم الخفيات وإن دقت، ومجيب الدعوات وإن عظمت، حيث قال في كتابه المبين المنزل على رسوله الأمين - وهو أصدق القائلين ورب العالمين وإله المرسلين:/ ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ﴾أي:/ إلى أهله﴿مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾[الأنبياء:/ 87، 88] ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أن نضيق عليه. وقيل معناه:/ نقدر من التقدير، وهي لغة مشهورة، قدر وقدِر وقدَّر كما قال الشاعر:/

فلا عائدٌ ذاكَ الزمانُ الذي مضى

 

تَبارَكتَ ما تَقْدِرْ يَكُنْ فَلَك الأمرُ

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ قال ابن مسعود وابن عباس وعمرو بن ميمون وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والحسن وقتادة والضحاك، ظلمة الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل.

* وقال سالم بن أبي الجعد:/ ابتلع الحوتَ حوتٌ آخر فصارت ظلمة الحوتين مع ظلمة البحر. وقوله تعالى:/ ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ قيل:/ معناه:/ فلولا أنَّه سبَّح الله هنالك وقال ما قال من التهليل والتسبيح، والاعتراف لله بالخضوع، والتوبة إليه والرجوع إليه، للبث هنالك إلى يوم القيامة، ولبعث من جوف ذلك الحوت. هذا معنى ما رُوي عن سعيد بن جبير في إحدى الروايتين عنه:/ وقيل:/ معناه:/ ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ﴾ من قبل أخذ الحوت له ﴿مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ أي:/ المطيعين المصلين الذاكرين لله كثيرًا.

 

٤ أمورٌ مستفادة من سيرة هذا النبي الكريم وقصته:

نأخذ من سيرة هذا النبي الكريم:/ «أن أهل الفضل وأهل الصلاح، قد تصدر منهم زلات في بعض الأحيان»، ولكن من فضل الله عليهم أن الله يرزقهم توبةً وإنابةً هي أعظمُ بكثيرٍ مما صدر منهم من زلات، فتغفر لهم زلاتهم وترفع لهم الدرجات.

كما قال تعالى:/ ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الزمر:/ 35].

وكإيضاح لذلك قد يَصدْرُ من شخصٍ يمينٌ منعقدة كفارتها إطعام عشرة مساكين فيُطعم - لشدة خوفه من الله ورغبة في ثوابه - عشرة مع العشرة، فيكفر عنه بالعشرة الأُول وترفع الدرجات بالعشرة الأُخر.

وهذا أحد الوجوه في تأويل قول الله تعالى:/ ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ فالشخصُ يُذنب ثم يُحدث توبةً عظيمةٌ من الذنب ويكثر من عمل الصالحات فتغفر السيئات ويثبت في صحائفه أعمال برٍّ وصلاح تورثه مزيدًا من الحسنات.

* ولنرجع فنقول:/ إنَّ أهل الفضل قد تصدر منهم زلات، فعلى هذا جُبل آدمُ عليه السلام، وجُبلت ذريته.

فقد خُلق الإنسان ضعيفًا كما قال الله سبحانه:/ ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء:/28].

* وكذلك خُلق عجولاً كما قال سبحانه:/ ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾ [الإسراء:/ 11].

* وكذلك فإنه خُلق خلقًا لا يتمالك، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لَمَّا صَوَّرَ اللهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَتْرَكَهُ فَجَعَلَ إبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ؟ فَلَمَّا رَأهُ أَجْوَفَ عَرف أنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لا يَتَمَالَكُ»().

وجُبلَ الإنسان على الخطأ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:/ «وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، ولَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرَ لَهُمْ»( 

وقدِّرت على ابن آدم الذنوب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:/ «كُتبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَة، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، والْيَدُ زِنَاها الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، والْقَلْبُ يَهْوَي ويَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ»).

* وعصى آدم - صلى الله عليه وسلم - فعصت ذريته، وجحدت فجحدت ذريته كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي «سنن الترمذي» بإسناد صحيح لشواهده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:/ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:/ «لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَي كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ:/ أَيْ رَبِّ، مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ:/ هَؤْلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ، فَرَأَى رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَقَالَ:/ أيْ رَبِّ، مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ:/ هَذَا رجلٌ مِنْ آخِرِ الْأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتكَ يُقَال لَهُ:/ داوُدُ. فَقَالَ:/ رَبِّ كَمْ جَعَلْتَ عُمُرَهُ؟ قَالَ:/ سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ:/ أَيْ رَبِّ، زِدْهُ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمَا قُضِيَ عُمُرُ آدَمَ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ:/ أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ:/ أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ؟ قَالَ:/ فَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ آدَمُ فَنسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ».

المراجع التي إعتمد عليها التلميذ(ة)